"معوق" أو "مشوه" هي الكلمات التي قد يستعملها البعض من العراقيين لوصف شخص من ذوي الاحتياجات الخاصة. سماع هذه الكلمات بحد ذاتها يسبب الم نفسي وشعور بالأختلاف فما بالك بوجود شخص من ذوي الاحتاجات الخاصة ومثلي في بلد كالعراق حيث لا تحترم فيه لا ميوله الجنسية ولا أحتياجاته، يبدوا الالم مضاعفا وصعبا جدا.
ذوي الاحتياجات الخاصة هم اشخاص يعانون من مشاكل جسدية أو عقلية والتي يمكن أن يولد الشخص معها أو تكون قد نتجت بسبب حادث أو اصابة بمرض معين. ذوي الأحتياجات الخاصة في العراق نادرا ما تتوفر لهم بيئة ايجابية خالية من التنمر حيث أن اغلب الاشخاص من حولهم حتى البالغين غالبا ما ينفرون منهم أو يسيؤون لهم. بالاضافة لهذا، هم يعانون من صعوبة في الحصول على مساعدات حيث أن الدولة لا تقدم لهم اي خدمات طبية وعلاجية تذكر أو تسهيلات تمكنهم من عيش حياتهم براحة. يعاني اصحاب الاحتياجات الخاصة طوال حياتهم حيث انهم يتعرضون الى التنمر والاساءة خلال مراحل الدراسة ومن ثم من قلة فرص العمل بعد حصولهم على الشهادة الدراسية بعد عناء طويل. حسب مقال نشر سنة ٢٠٢١ على موقع "ناس" فأن ذوي الاحتياجات الخاصة في العراق بلغت نسبتهم ١٣% وهذا يعني اكثر من خمسة مليون شخص. من بين هؤلاء الملايين، حسن يروي قصته لنا ويخبرنا بصعوبة الوضع كونه مثلي من ذوي الاحتاجات الخاصة. حسن هو شاب عراقي يسكن في محافظة بابل ويبلغ من العمر ١٩ عامًا وينتمي لعائلة مكونة من سبع افراد والتي يصفها بكونها متشددة دينيًا وعشائريًا كحال غالبية عوائل القرى. لفهم معاناة حسن، نحتاج الى العودة الى الوراء عدة سنوات وتحديدا لطفولته فرغم أن حسن ولد بحالة صحية جيدة ولم يكن يشكو من اي مرض، تم تشخيصه بمرض نادر جداً يدعى سرطان شبكية العين بعد سنتين فقط من ولادته. ادت اصابته بالمرض الى قلع عينه اليسرى وازالة أجزاء من عضلات وعضام وجهه وانتهى به الحال بعين واحدة. عدم امتلاك حسن لعينه اليسرى سبب له الكثير من المشاكل على المستوى الاجتماعي لأن شكله تغير كثيرًا عن باقي الاولاد في عمره وادى ذلك لتعرضه للكثير من الاساءة من قبل زملائه في الحي والمدرسة ووصل الحال الى التفرقة عند المدرسين والأهل. يقول حسن، " بسبب معاناتي المستمرة، فكرت عدة مرات في ترك المدرسة والجلوس في المنزل لتجنب الالم النفسي ولكني اقنعت نفسي باهمية الاستمرار والمحاولة وهذا كان ما فعلته. فرغم الصعوبات التي تعاملت معها لسنوات، كنت قادرًا على التخرج من المدرسة ووصلت للمرحلة الجامعية حيث تم قبولي في كلية الصيدلة. مرضي لم يكن اختلافي الوحيد عن الاغلبية حولي فلو عدنا بالزمن الى عمر الرابعة عشر حينما بدأ اختلافي يصبح واضحا اكثر، سنرى أن الاختلاف يتمثل ايضا بميولي الجنسية وميلي للشخصية الأنثوية. احببت دائما ارتداء ملابس تصنف على أنها نسائية ولاحظت عدم انجذابي للجنس الاخر. في البداية، تصورت أن هذه الاحساسي سببها مشكلة نفسية نتجت بسبب التهميش الذي تعرضت اليه طوال حياتي. لهذا بدأت البحث عن الموضوع بدون اخبار احد واكتشفت في النهاية موضوع الميول الجنسية وتعلمت ان هنالك ما يسمى بالمثلية الجنسية والعبور الجنسي وغيرها من التصنيفات. بحثي عن موضوع الميول الجنسية ومعرفتي ان هنالك اشخاص اخرين يمتلكون نفس الرغبات والميول ولد عندي شعورًا جميلا وساعدني على فهم انني لم اكون وحيدًا رغم انني لم التقي باحد منهم. حصلت الكثير من الاشياء في تلك المرحلة العمرية لأنني كنت قد دخلت سنوات المراهقة وبدأ حينها اهلي بتربيتي وتحضيري لأصبح رجلا واستعد لحمل اسم العائلة ولهذا بدأ والدي بزرع افكار الرجولة والانوثة في عقلي. ولأنني، كما ذكرت سابقا، اميل للجانب والشخصية الانثوية في لبسي وتصرفي كان على اهلي أن يمارسوا العنف ضدي كوسيلة لتهذيبي وتغيري. بدأ اهلي بتعنيفي تعنفيا مبرحا حيث كان يتمثل ذلك بربط اطرافي الاربعة بحبل وثيق وجلدي ومن ثم حبسي في الغرفة لأيام أو لأسابيع ورغم حاجتي للهروب، منعني الخوف حينها من محاولة طلب المساعدة من منظمة أو من جهة معينة لأن طلب المساعدة كان يعني الموت. حصل كل ذلك التعنيف بدون علم اهلي بميولي الجنسية، كل ذلك التعنيف كان يجري بسبب قصة شعر أو شرائي لكريم لمعالجة حب الشباب أو لأستعمالي لنوع شامبو معين. اي من هذه الأمور كانت كافية جدا عند اهلي لحبسي وتعنيفي. عندما وصلت لعمر السابعة عشر امتلكت اول هاتف محمول فاستعملته لتكوين صداقات على مواقع التواصل الاجتماعي مع اشخاص يشبهونني من حيث طريقة التفكير. البعض منهم ساعدني نفسيا ووقفوا الى جانبي والبعض الاخر تنمروا علي و لم يتقبلني لكن التجربة كانت مفيدة بكل الاحوال. كانت معاناتي مع اهلي تزداد شيئا فشيئا ووصلت لمرحلة متعبة بعد أن فتش والدي هاتفي في احد الايام حيث وجد اشياء تخص المثلية وبدأت الشكوك حول ميولي الجنسية تكبر عنده وعند باقي افراد عائلتي وبدء جزء اصعب من حياتي حيث اصبح الضرب اقوى وفترات الحبس اطول واضطررت بسبب ذلك للتغيب عن مدرستي لفترات اطول. "معاق ومتشبه بالنساء" كانت هذه هي الصفات التي يصفونني بها اهلي وكانوا يؤمنون أن قتلي حلال ولهذا، وللبقاء حيا، اضطررت لتقديم الكثير من التنازلات حين وصلت لقناعة انني لن استطيع تغيرهم أو الانتصارعليهم فسلمت امري للحياة ووبدأت بمجاراتهم واتباع قوانينهم لاكون قادرا على متابعة دارستي. لحسن الحظ، بدأت الامور تتحسن نسبيا بعد التحاقي بالجامعة. انا الان اتعرض لتعنيف اقل ومشاكل اقل وذلك بسبب ساعات الدوام الطويلة التي تبقيني خارج البيت وبعيدا عن افراد عائلتي. اما بالنسبة لظروفي في الجامعة فهي افضل بكثير من ظروفي في فترة المدرسة فعلاقتي بالطلاب والاساتذة جيدة حيث انني ورغم سماعي دوما للانتقادات حول مظهري الانثوي الا أنني لا اتعرض للتنمر بسبب عيني وهذا امر جيد بالنسبة لي." تطمح عراق كوير الى التعرف على عراقيين اكثر من ذوي الاحتياجات الخاصة من مجتمع الميم-عين لسماع قصصهم ونشرها ليتعرف الاخرين من داخل وخارج المجتمع على الصعوبات التي يمرون بها ولنشر الوعي حول اهمية التعايش وتقبل الاختلاف بكل انواعه.
2 Comments
|
Archives
October 2024
Categories |