في المجتمعات التقليدية، مثل المجتمع العراقي، يُعتبر الزواج من أهم الطقوس الاجتماعية التي تضمن استمرارية النسل وتقوية الروابط الأسرية والمجتمعية. يحدد هذا المفهوم الجندري للأفراد، حيث يُتوقع من الرجل والمرأة أن يتزوجا من شخص آخر من الجنس المختلف ليشكلوا أسرة نموذجية. لكن هل هذا المفهوم التقليدي من الزواج ينسجم مع الواقع المتنوع للجندر، خاصة في ظل وجود مجتمع الميم عين؟ كيف يمكن أن يعكس الزواج العراقي التقليدي ظلمًا كبيرًا لأولئك الذين لا يتماهون مع هذه الأطر التقليدية؟ وهل يمكن أن يحدث تغيير في هذه المنظومة لتخفيف الضغط الاجتماعي الذي يفرضه الزواج التقليدي على الأفراد؟ هذا ما سنتناوله في هذا المقال.
الزواج التقليدي: قيود اجتماعية جائرة على مجتمع الميم عين في العراق، كما في العديد من البلدان ذات الثقافة التقليدية، يُعتبر الزواج بين رجل وامرأة هو النموذج السائد والمقبول اجتماعيًا ودينيًا. يُشدد على أن الزواج هو تكامل بين الجنسين وفقًا لأدوار اجتماعية محددة، حيث يتعين على الرجل أن يكون "الرب العائلة" بينما يُتوقع من المرأة أن تُؤدي دور الزوجة والأم. في هذا السياق، يُجبر أفراد مجتمع الميم عين، الذين لا يتماهون مع هذا التصور التقليدي للجنسين، على الزواج من شخص مغاير جندريًا رغم عدم تناسبهم مع هذا الدور الاجتماعي. هذه المنظومة تضع ضغطًا هائلًا على أفراد المجتمع الذين ينتمون إلى مجتمع الميم عين، حيث يُفرض عليهم تكوين علاقة يتطلب فيها الزواج التقليدي التوافق مع هوياتهم الجندرية غير المتوافقة مع تلك المعايير المجتمعية. وهذا يؤدي إلى معاناة نفسية وعاطفية شديدة، حيث يضطر الأفراد إلى العيش في علاقة لا تعكس هويتهم الجندرية الحقيقية، مما يسبب في النهاية إحساسًا بالظلم تجاه أنفسهم وكذلك تجاه الشخص الآخر الذي يشاركهم هذه العلاقة. ظلم الذات والشريك الآخر: عواقب الزواج القسري لمجتمع الميم عين أحد أكبر الأضرار التي تنجم عن الضغط الاجتماعي والشرعي على أفراد مجتمع الميم عين في العراق للزواج من شخص مغاير جندريًا هو الظلم الذي يقع على الجميع: أولاً على الشخص نفسه، وثانيًا على شريك الزواج. 1. ظلم الفرد ذاته الشخص الذي ينتمي إلى مجتمع الميم عين ويُجبر على الزواج بشخص من الجنس الآخر ليكون مقبولًا اجتماعيًا قد يعيش في حالة من الازدواجية العاطفية والجندرية. هذا الشخص يُجبر على التوافق مع دور "الزوج" أو "الزوجة" دون أن يكون هذا الدور طبيعيًا أو مريحًا له. هذا يؤدي إلى تراكم المشاعر السلبية مثل القلق والاكتئاب، بل ويمكن أن يؤدي إلى الخوف من فقدان الهويات الذاتية تحت ضغط التوقعات المجتمعية. 2. ظلم الشخص الآخر الظلم لا يقتصر على الأفراد من مجتمع الميم عين فقط، بل يشمل أيضًا شريك الزواج الذي يُجبر على الارتباط بشخص لا يشترك معه في نفس القيم أو الهوية الجندرية. هذه العلاقات غالبًا ما تكون غير متوازنة، حيث يفتقر كلا الطرفين إلى التواصل الصريح والصادق حول احتياجاتهم العاطفية والجنسية. وقد يؤدي ذلك إلى خيانة غير متعمدة أو انفصال عاطفي، حيث لا يكون هناك تناغم حقيقي بين الطرفين. هل يمكن أن يحدث تغيير في منظومة الزواج التقليدي؟ قد يبدو من الصعب تغيير مفاهيم الزواج التقليدي في العراق بالنظر إلى التاريخ الطويل من التقاليد والعادات الراسخة التي تحكم العلاقات الاجتماعية. ولكن مع تطور الوعي الاجتماعي والزيادة في الحوارات حول قضايا الجندر والمساواة، هناك فرصة حقيقية لإحداث تغيير تدريجي في هذه المنظومة. أحد أولى الخطوات نحو التغيير هو نشر الوعي حول التنوع الجندري داخل المجتمع العراقي. هناك حاجة ملحة لفهم أن الجندر ليس مجرد ثنائية ثابتة بين الذكر والأنثى، بل هو طيف واسع يشمل أشخاصًا يتنقلون بين الهويات الجندرية المختلفة. التوعية والتعليم حول هذه المواضيع يمكن أن يساعد في تخفيف الضغط على الأفراد في مجتمع الميم عين الذين يُجبرون على الزواج وفقًا للمفاهيم التقليدية. وفيما يتعلق بالمفاهيم التقليدية للزواج، يمكن أن يكون هناك نقاش مجتمعي حول كيفية تعديل هذه المفاهيم ليكون الزواج مبني على رغبة الشخص وليس برغبة الاسرة او المجتمع، و ان لا يكون قسريا او اجبارا أو حتى تسهيل قبول العلاقات التي لا تتبع النمط التقليدي. بدلاً من التمسك بالزواج كأداة وحيدة لبناء الأسرة، يمكن التفكير في أنماط جديدة من الشراكة التي تعكس التنوع الاجتماعي والجندري. كما إن تعزيز الدعم الأسري هو أحد العوامل التي يمكن أن تساعد في تخفيف الضغط على الأفراد من مجتمع الميم عين. إذا كانت العائلات والمجتمعات أكثر قبولًا لفكرة أن أولادهم يمكن أن يكون لهم هويات جندرية متنوعة، فسيكون من الأسهل عليهم اتخاذ قراراتهم في الحياة العاطفية دون الخوف من الرفض الاجتماعي. هذا الدعم سيعزز من قدرة الأفراد على اتخاذ قرارات حرة تتماشى مع هويتهم الشخصية. خاتمة في النهاية، يمكن القول إن التغيير في منظومة الزواج العراقي التقليدي يتطلب جهودًا مجتمعية كبيرة تشمل تغيير التصورات الاجتماعية حول الجندر والعلاقات. يجب أن نتفهم أن الزواج ليس بالضرورة أن يكون بين رجل وامرأة فقط، بل هو خيار يعكس الحق في الحب والقبول. وإذا تم القضاء على الضغط الاجتماعي والعائلي الذي يفرض على الأفراد من مجتمع الميم عين الزواج التقليدي، سنتمكن من بناء مجتمع أكثر قبولًا وتفهمًا، ويعيش فيه الجميع بسلام مع هويتهم الجندرية.
0 Comments
|
أرشيف
March 2025
|